حينما أرسل الرب رسله القديسين أرسلهم اثنين اثنين [ وبعد ذلك عين الرب سبعين آخرين أيضا وأرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه إلى كل مدينة و موضع حيث كان هو مزمعا أن يأتى ( لو10: 1 ) ] . ولعلنا نتساءل : لماذا أرسلهم هكذا و لم يرسلهم واحدا واحدا ؟ .. يجيب على هذا السؤال سليمان الحكيم فى سفر الجامعة : [ اثنان خير من واحد لأن لهما أجرة لتعبهما صالحة لأنه إن وقع أحدهما يقيمه رفيقه ، و ويل لمن هو وحده إن وقع إذ ليس ثان ليقيمه ( جا4: 9 ـ10 ) ] ، و يمكننا أخذ أمثلة فى ذلك :
- فى العمل :
إن ما يستطيع أن يعمله واحد يستطيع اثنان أن يعملا أعظم منه .. فلا يستطيع أحد أن يعمل كل شئ وحده . لا بد من مساعدين و معاونين .. رأى على رأى يساعد ، و يد واحدة لا تستطيع التصفيق 00 يد على يد تعاون .. و هكذا قال الكتاب المقدس أنه لا بد من التعاون . ولا يستطيع عضو أن يعمل كل العمل . و كذلك لا يستطيع عضو أن يستغنى عن عضو آخر ؛ فإن الجسد أيضا ليس عضوا واحدا بل أعضاء كثيرة [ لو كان كل الجسد عينا فأين السمع .. لو كان الكل سمعا فأين الشم .. و لكن لو كان جميعها عضوا واحدا أين الجسد .. فالآن أعضاء كثيرة و لكن جسد واحد . لا تقدر العين أن تقول لليد لا حاجة لى إليك ، أو الرأس أيضا للرجلين لا حاجة لى إليكما ( 1كو 12: 14 ، 17ـ 21 ) ] .. فكل عضو يحتاج إلى باقى الأعضاء .. و الجسد يحتاج إليهم جميعا .
- فى المعاملات :
كل إنسان يحتاج أن يكون له آخر .. يكون له صديق يحكى له همومه و مشاكله .. يجد الراحة عنده بل يجد نفسه فيه حتى أنه إن بعد عنه كأن جزءا منه بعد عنه و إن عاد كأنه عاد إلى نفسه و إن فقد فيشعر كأن شيئا قد مات فيه أو كأنه فقد يدا أو عينا أو قلبا .. و لكن يا ليتنا نعمل بنصيحة القديس يوحنا ذهبى الفم : ـ ( ليكن أصحابك بالألف و أصدقاؤك من الألف واحدا ] . فما أخطر الصداقة إن كانت خاطئة و ما أحلاها إن كانت صحيحة ..قد تصل من خلال صديقك إلى الراحة أو الشقاء ، إلى السعادة أو التعاسة ، إلى النمو أو الانحدار .. لذلك عليك أن تدقق فى اختيار صديقك أو كما يقولون ( خذ الرفيق قبل الطريق ) .. فإن أحسنت فإنه سوف يخفف عنك متاعب الطريق و إلا فسوف يثقل عليك و تتمنى لو لم يكن صديقا .
- في الحياة :
لعل الرب نفسه أراد ذلك . و انظر إلى ما قال الرب فى سفر التكوين [ وقال الرب الإله ليس جيدا أن يكون آدم وحده فأصنع له معينا نظيره ، و جبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية و كل طيور السماء فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها ، و كل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها ، فدعا آدم بأسماء جميع البهائم و طيور السماء وجميع حيوانات البرية . و أما لنفسه فلم يجد معينا نظيره . فأوقع الرب الإله سباتا على آدم فنام ، فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما و بنى الرب الإله الضلع التى أخذها من آدم امرأة و أحضرها إلى آدم . فقال آدم : هذه الآن عظم من عظامى و لحم من لحمى ؛ هذه تدعى امرأة لأنها من امرئ اُُخذت . لذلك يترك الرجل أباه وأمه و يلتصق بامرأته و يكونان جسدا واحدا ( تك 2 : 18 ـ 24 ) ] . و نرجو أن تكون معينا له فعلا ؛ لا معوقا و لا مقاوما و لامعطلا . كما نرجو أن يكون شاعرا بأنها عظم من عظامه و لحم من لحمه 0 غير أن هناك من يرى نفسه العروس والرب هو العريس ، فيهب حياته لمن خلقه وأحبه ، و يحيا حياة يملأها الرب ، فلا يشعر بفراغ أو جوع أو عطش .. حيث الرب يملأه و يشبعه و يرويه و يكفيه . فلا يحتاج منه شيئا و إنما يحتاجه فقط [ و معك لا أريد شيئا فى الأرض ( مز 73: 25 ) ] .
- فى الإرشاد :
لا شك أن الإنسان يحتاج لآخر يرشده و ينصحه . الابن يحتاج لأبيه و الابنة لأمها و السائر فى الطريق يحتاج لمن يرشده ، و الذى يسير فى طريق الرب يحتاج لمرشد و موجه يقوده فى الطريق الذى اختبره قبله و يرشده لكيفية تخطى العقبات التى تواجهه .. كذلك نقول إن أحسنَّا المرشد نكون قد ضمنا الطريق بل والهدف . و لنحذر قول الرب [ أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما فى حفرة ( مت 15: 14 ) ] . لذلك يجب أن نتأكد من أن المرشد بصير وليس فقط مبصرا .. مختبر وليس فقط قارئا 00 لديه مخزون و ليس فارغا ..
- فى المجاملات :
لا شك أن كلا ً منا يحتاج لمن يقف إلى جواره فى المواقف المتنوعة سواء أكانت مفرحة أو محزنة .. فمن منا يستطيع أن يجتاز ضيقة إن لم يُعِنْه آخر . و كما يقولون ( قلب على قلب رحمة ) فإن كانت العين تبكى فهى تحتاج ليد تمسح .. وإن كان القلب يفرح فهو يحتاج للسان يزغرد . لذلك نصحنا الكتاب قائلا : [ فرحا مع الفرحين و بكاء مع الباكين مهتمين بعضكم لبعض اهتماما واحدا ( رو 12 : 15ـ 16 ) ] .
