موضوع آخر من مواضيع هذه القائمة الخطيرة نأخذه في هذا اليوم هو موضوع قلة الإيمان ، و لا نقصد في هذا الموضوع التحدث عن الإيمان كعقيدة ، و إنما كسلوك . أي أننا نود أن نتحدث في هذا الموضوع عن ماذا يفعله الإيمان في حياتنا ، و ما نحصل عليه من فضائل نتيجة هذا الإيمان .
أنواع الإيمان :ـ
1ـ إيمان سطحي أو نظري : وهذا الإيمان هو إيمان عقلي ، آي أنه مجموعة من العقائد تملأ العقل دون أن تترجم إلي سلوكيات أو أعمال ، و هذا قال عنه الكتاب المقدس [ ما المنفعة يا اخوتي إن قال أحد أن له إيمانا
و لكن ليس له أعمال هل يقدر الإيمان أن يخلصه إن كان أخ أو أخت عريانين و معتازين للقوت اليومي فقال لهما أحدكم امضيا بسلام استدفئا و اشبعا و لكن لم تعطوهما حاجات الجسد فما المنفعة ، هكذا الإيمان أيضا إن لم يكن له أعمال ميت في ذاته لكن يقول قائل أنت لك إيمان و أنا لي أعمال أرني إيمانك بدون أعمالك و أنا أريك بأعمالي إيماني أنت تؤمن أن الله واحد حسنا تفعل و الشياطين يؤمنون و يقشعرون … لأنه كما أن الجسد بدون روح ميت هكذا الإيمان أيضا بدون أعمال ميت (يع 2: 14ـ 26) ]
2 ـ إيمان عملي حي : و هو الإيمان الحقيقي الذي يظهر واضحًا في حياتنا العملية و في ممارساتنا و في علاقتنا بالله
و الناس [ لا الختان ينفع شيئا و لا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة (غل 6:5)] و لكن ما ثمار هذا الإيمان في حياتنا ؟ .[ تقدمت فرأيت الرب أمامي في كل حين لأنه عن يميني فلا اتزعزع (مز16)]
أ ـ عدم الخوف : و هو ما تحدثنا عنه بالتفصيل في الأسبوعين السابقين ، و فيه نقول مع داؤد النبي [ إن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا لأنك أنت معي ( مز 23 ) ]
ب ـ السلام الداخلي : إن الإنسان الذي يحيا في هذا الإيمان العملي إنسان لا يفقد سلامه الداخلي حتى في وقت الضيق ، فهو يثق في تدخل الله في الوقت المناسب و بالطريقة المناسبة ، فهو يحيا في الإيمان الذي عرّفه القديس بولس الرسول قائلاً : [ إن الإيمان هو الثقة بما يرجى و الإيقان بأمور لا ترى(عب1:11)] فهو يثق في الله و في تدخله حتى لو لم يري ذلك و مثال لذلك موسى النبي عند عبور البحر الأحمر حاصره الأعداء من الخلف و كان البحر أمامه فهاج عليه الشعب و لكنه قال في إيمان [ قفوا و انظروا خلاص الرب ، الرب يقاتل عنكم و أنتم تصمتون ( خر 14:14) ] و قد أنقذ الرب الشعب من الموت بإيمان موسى …، و مثل أليشع النبي الذي حاصره جيش سنحاريب فلما رأي ذلك جيحزي تلميذ أليشع النبي اضطرب و فقد سلامه ، و لكن قال أليشع النبي في إيمان : [ لا تخف لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم . و صلي أليشع و قال يا رب افتح عينيه فيبصر ، ففتح الرب عيني الغلام فأبصر و إذا الجبل مملوء خيلاً
و مركبات نار حول أليشع (2مل6 :16) ]. و بصلاة أليشع ضرب الرب جيش سنحاريب بالعمي ، حتى ضلوا الطريق بعيدًا عنهم … إن إيمان الإنسان بأن الله عادل يجعله لا يفقد سلامه إذا ُظلم فهو يثق أن الله سيرد له حقه [ من أجل شقاء المساكين و تنهد البائسين الآن أقوم يقول الرب أصنع الخلاص علانية (مز11) ] كذلك إيمانه بأن الله رحيم يجعله لا يفقد سلامه و رجائه إذا سقط في الخطية فهو يثق في أن الله يقبل توبة الخاطئ إذا رجع [و من يقبل إليّ لا أخرجه خارجا (يو6 : 37)] و أيضًا إيمانه بأن الله يعول الكل يجعله لا يفقد سلامه إذا فقد عائله الأرضي [أبو اليتامى و قاضي الأرامل الله في مسكن قدسه (مز68 : 5)] .
جـ ـ الصبر : إن الذي يسلك في الإيمان العملي ، يتحلّى بالصبر إذ أنه بالإيمان يثق أن المشكلة مهما طالت ستنتهي ،
و أن الله سيتدخل ليضع حلاً لها يفوق كل عقل ، مثلما حدث مع أيوب البار ، الذي علي الرغم من فقدانه أولاده و بناته و ثروته و صحته ، إلا أنه لم يفقد إيمانه الذي وهبه صبرًا فقال : [ الرب أعطي ، الرب أخذ ، ليكن اسم الرب
مباركًا (أي21:1) ] و قد عوضه الرب أكثر و أفضل مما كان عنده .
د ـ التدقيق : فالإنسان الذي يحيا في الإيمان يكون مدققاً في كل شئ في أعماله و أفكاره و تصرفاته ، حتى و هو بعيد عن الناس و لا يراه أحد ، لأنه يؤمن أن الله موجود في كل مكان ، يراه و يسمعه ، و يعرف ما يفعله سواء في العلن
أو في الخفاء . مثلما فعل يوسف الصديق ، إذ رفض السقوط في الخطية قائلاً [ كيف أفعل هذا الشر العظيم و ُأخطِئ إلي الله ( تك9:39) ] فهو نتيجة إيمانه بأن الله يراه ؛ يكون أكثر حرصًا على عدم فعل الخطية ، فكيف يستطيع أن يفعلها أمام الله و كيف سيواجهه بعد ذلك . فإيمانه بوجود الأبدية ، يجعله يحرص كل الحرص علي أن يبتعد عن كل ما يحرمه من هذه الأبدية ، و يفعل كل ما يساعده علي دخولها .
